قال مسلم - رحمه الله - : ( حدثنا منجاب وسويد بن سعيد عن علي بن مسهر عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ، ولا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة خردل من كبرياء
قد تقدم أن ( أبانا ) يجوز صرفه ، وترك صرفه وأن الصرف أفصح .
و ( تغلب ) بالغين المعجمة وكسر اللام .
وأما الفقيمي فبضم الفاء وفتح القاف .
و ( منجاب ) بكسر الميم وإسكان النون وبالجيم وآخره باء موحدة .
و ( مسهر ) بضم الميم وكسر الهاء .
وفي هذا الإسناد لطيفتان من لطائف الإسناد إحداهما أن فيه ثلاثة تابعيين يروي بعضهم عن بعض وهم الأعمش ، وإبراهيم وعلقمة . والثانية أنه إسناد كوفي كله فمنجاب ، وعبد الله بن مسعود ، ومن بينهما ، كوفيون إلا سويد بن سعيد رفيق منجاب فيغني عنه منجاب .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وغمط الناس ) هو بفتح الغين المعجمة وإسكان الميم وبالطاء المهملة . هكذا هو في نسخ صحيح مسلم - رحمه الله - . قال القاضي عياض - رحمه الله - : لم نرو هذا الحديث عن جميع شيوخنا هنا ، وفي البخاري إلا بالطاء . قال : وبالطاء أبو داود في مصنفه ، وذكره أبو عيسى الترمذي ، وغيره ( غمص ) بالصاد وهما بمعنى واحد . ومعناه احتقارهم . يقال في الفعل منه ( غمطه ) بفتح الميم ( يغمطه ) بكسرها و ( غمطه ) بكسر الميم ( يغمطه ) بفتحها . وأما ( بطر الحق ) فهو دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( من كبرياء ) هي غير مصروفة .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله جميل يحب الجمال ) اختلفوا في معناه ، فقيل : إن معناه أن كل أمره سبحانه وتعالى حسن جميل ، وله الأسماء الحسنى ، وصفات الجمال والكمال . وقيل : جميل بمعنى مجمل ككريم وسميع بمعنى مكرم ومسمع . وقال الإمام أبو القاسم القشيري - رحمه الله - : معناه جليل . وحكى الإمام أبو سليمان الخطابي أنه بمعنى ذي النور والبهجة أي مالكهما . جميل الأفعال بكم ، باللطف والنظر إليكم ، يكلفكم اليسير من العمل ، ويعين عليه ، ويثيب عليه الجزيل ، ويشكر عليه . واعلم أن هذا الاسم ورد في هذا الحديث الصحيح ولكنه من أخبار الآحاد . وورد أيضا في حديث الأسماء الحسنى وفي إسناده مقال . والمختار جواز إطلاقه على الله تعالى : ومن العلماء من منعه . قال الإمام أبو المعالي إمام الحرمين - رحمه الله - [ ص: 269 ] تعالى : ما ورد الشرع بإطلاقه في أسماء الله تعالى وصفاته أطلقناه ، وما منع الشرع من إطلاقه منعناه ، وما لم يرد فيه إذن ولا منع لم نقض فيه بتحليل ولا تحريم ; فإن الأحكام الشرعية تتلقى من موارد الشرع ، ولو قضينا بتحليل أو تحريم لكنا مثبتين حكما بغير الشرع . قال : ثم لا يشترط في جواز الإطلاق ورود ما يقطع به في الشرع ، ولكن ما يقتضي العمل وإن لم يوجب العلم فإنه كاف ، إلا أن الأقيسة الشرعية من مقتضيات العمل ، ولا يجوز التمسك بهن في تسمية الله تعالى ، ووصفه . هذا كلام إمام الحرمين ومحله من الإتقان والتحقيق بالعلم مطلقا وبهذا الفن خصوصا معروف بالغاية العليا .
وأما قوله : لم نقض فيه بتحليل ولا تحريم لأن ذلك لا يكون إلا بالشرع : فهذا مبني على المذهب المختار في حكم الأشياء قبل ورود الشرع فإن المذهب الصحيح عند المحققين من أصحابنا أنه لا حكم فيها لا بتحليل ، ولا تحريم ، ولا إباحة ، ولا غير ذلك ; لأن الحكم عند أهل السنة لا يكون إلا بالشرع . وقال بعض أصحابنا : إنها على الإباحة وقال بعضهم : على التحريم ، وقال بعضهم : على الوقف . لا يعلم ما يقال فيها . والمختار الأول . والله أعلم .
وقد اختلف أهل السنة في تسمية الله تعالى ووصفه من أوصاف الكمال والجلال والمدح بما لم يرد به الشرع ولا منعه فأجازه طائفة ، ومنعه آخرون إلا أن يرد به شرع مقطوع به من نص كتاب الله ، أو سنة متواترة ، أو إجماع على إطلاقه . فإن ورد خبر واحد فقد اختلفوا فيه فأجازه طائفة ، وقالوا : الدعاء به والثناء من باب العمل ، وذلك جائز بخبر الواحد . ومنعه آخرون لكونه راجعا إلى اعتقاد ما يجوز أو يستحيل على الله تعالى . وطريق هذا القطع . قال القاضي : والصواب جوازه لاشتماله على العمل ، ولقول الله تعالى : ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها والله أعلم