فهد توفيق الهندال
هكذا هي حال الإعلام العربي، منذ حرب 67 مروراً بحرب القادسية الثانية في الثمانينات، انتهاء بما يشهده العالم العربي من حركات شعبية تعبر عن احتجاجاتها ودعواتها للإصلاح وبتر الفساد ورموزه، والتي بدأت شرارتها في تونس، وامتدت لمصر الآن، ولامست غيرها من المجتمعات العربية المرشحة للانفجار.
المتأمل للإعلام العربي بمختلف وسائله، سيجده أحد ثلاثة : إما يدير معركته الإعلامية مع غيره من المنافسين بحسب أجندته الخاصة، أو يقف محايداً معتمداً في تعبئة كوادره ما يجمعه من قصاصات الوكالات، أو الصنف الثالث غير مبال يغط في نوم العسل!
عندما نشهد الحرب المستعرة بين عدد من القنوات العربية المرتبطة بالخطاب السياسي للجهات الممولة لها حول الكثير من أحداث المنطقة العربية، لا يجب أن نسقط من الحسبان مراكز القوى والنفوذ التي تقودها وتحركها في اللعبة الإعلامية وتقدم جمهور المتابعين كبيادق قتال في رقعة اللعب على العواطف والمشاعر والعزف على وتر أحلام وأماني المستقبل دون وعي فكري لأهمية ما قد يتغير على خارطة الوضع الاستراتيجي للمنطقة برمتها، كما حدث عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر وانقسام المجتمع العربي ما بين فسطاطي الجهاد والانتحار أو مع أو ضد التحالف الدولي لحربه على الإرهاب!
كما شهدنا الوقع المدوي للإعلام العربي عقب حرب العراق الأخيرة، عندما اتضحت الرؤية وزيف البيانات المسترجلة وغباء التحليلات العسكرية والسياسية المتأملة في بقاء نظام أصبح بائداً في أيام قليلة جداً!
واليوم، الإعلام العربي متشرذم حيال احتجاجات تونس ومصر لكونهما وصلا إلى ذروة الحدث وقمة اهتمامات المتابع العربي، لتتنافس وسائل الإعلام المختلفة عبر تغطيات مباشرة من قلب الحدث، أو بتخصيص ساعات بث متواصلة لاستقبال اتصالات الجماهير الغاضبة أو المتعاطفة مع أو ضد الاحتجاجات، لتكون الفرصة مواتية للتكرار ثانية في تحشيد الشعور العربي و إثارة فورة دمه بما يجعلها قابلا للانفجار قريباً، ليدخل على الخط بعض تجار الشنط التحليلية ويتنقلون بين ردهات استديوات هذه القنوات والإذاعات لعرض تجارتهم التي لا تعبر إلا عن غث سطحي منعزل عن الواقع وطبيعة الحدث، ودون قراءته بمعطيات منطقية مرتبطة بتغيرات عالمية من سياسة واقتصاد وثقافة وهوية وثورة تكنولوجيا واتصالات تتأثر ويؤثر جميعها في تفكيك و تركيب المجتمعات الإنسانية في القرن الحادي والعشرين.
ومع سخونة المشهد الإعلامي العربي في هذه القنوات، إلا أنني لا أجدها مختلفة تماماً عن السخونة ذاتها التي تصيب المشاهد العربي جراء زخم وازدحام الشاشة العربية بالأعمال الرمضانية التي يصل متوسط الانتاج فيها لأكثر من 150 عملاً دراميا بمعدل 720 ساعة اجمالي ساعـات الشهر الواحد، افترض فيه أن متوسط نصيب المشاهد العربي منها ما بين 8 - 12 ساعة يومياً، هي طبعاً أقل بكثير من ساعات المتابعة لأحداث اليوم!
فاصلة أخيرة
برغم تنافس بعض الفضائيات العربية على سرقة وقت المشاهد العربي لمتابعة أحداث مصر وحركات شبابها الاحتجاجية بما يشحنها برسائل المراسلين واتصالات الجماهير واستبيانات لا نعرف صحتها و مصدرها، إلا أن اللافت هو عدم تغيير الأسماء المعيّنة لديها بوظيفتي «محلل سياسي» أو «مفكر» الذين يفكرون ويحللون بسياسة و«شيك» القناة لا بهموم وطموح الشعوب المتحركة! والعاقبة لمن يعقل ويتدبر.