الحمد الله وحده نحمده ونشكره ونستعين به ونستغفره
ونعود بالله من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا
من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادية له
وأشهد ان لا إلاه الى الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين
ومن تبعهم بالإحسان الى يوم الدين
ربنا لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الخبير
ربنا لا فهم لنا إلى ما أفهمتنا إنك أنت الجواد الكريــم
ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل لي
عقدة لساني يفقهوا قولي...
أما بعد.
سلسلة فقه السنة
1- الطهارة :
الوضُوءُ:
ما لا يَنْقُــضُ الوضُــوءَ
أحببنا أن نشير إلى ما ظن، أنه ناقض للوضوء، وليس بناقض؛ لعدم ورود دليل صحيح، يمكن أن يعول عليه في ذلك، وبيانه فيما يلي: (1) لمـسُ المـرْأَةِ، بـدونِ حائـلٍ: فعن عائشة _ رضي اللّه عنها _ أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قبّلها، وهو صائم، وقال: " إنّ القبلة لا تنقض الوضوء، ولا تفطر الصائم " (1). أخرجه إسحاق بن راهويه، وأخرجه أيضاً البزار بسند جيد. قال عبد الحق: لا أعلم له علة توجب تركه. وعنها _ رضي اللّه عنها _ قالت: فقدت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ذات ليلة من الفراش، فالتمسته، فوضعت يدي على بطن قدميه، وهو في المسجد، وهما منصوبتان، وهو يقول: " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك " (2). رواه مسلم، والترمذي وصححه، وعنها _ رضي اللّه عنها _ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قبّل بعض نسائه، ثم خرج إلى الصلاة، ولم يتوضأ (3). رواه أحمد، والأربعة، بسند رجاله ثقات، وعنها _ رضي اللّه عنها _ قالت: كنت أنام بين يدي النبيّ صلى الله عليه وسلم، ورجلاي في قبْلتِه، فإذا سجد، غمزني، فقبضت رجْلَي (4). وفي لفظ: فإذا أراد أن يسجد، غمز رجلي. متفق عليه.
(1) الحديث بلفظ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة من نسائه، ثم خرج إلى الصلاة، ولم يتوضأ. وهو عند أبي داود: كتاب الطهارة _ باب الوضوء من القبلة (1 / 45)، والنسائي: كتاب الطهارة _ باب ترك الوضوء من القبلة (1/ 104)، والترمذي: أبواب الطهارة _ باب ما جاء في ترك الوضوء من القبلة (86)، وابن ماجه (502)، والحديث صحيح، صححه الشيخ الألباني، في: صحيح النسائي (164)، وصحيح ابن ماجه (502)، والمشكاة (323).
(2) مسلم: كتاب الصلاة - باب ما يقال في الركوع والسجود (1 / 352)، رقم (222)، والترمذي: كتاب الدعوات، باب في دعاء الوتر (5 / 556)، رقم (3566)، وفي كتاب الدعوات - باب رقم (76)، حديث (3493)، ومسند أحمد (1 / 96، 118، 150، 6 / 58).
(3) تقدم تخريجه، في: الصفحة الماضية.
(4) البخاري: كتاب الصلاة - باب الصلاة على الفراش (1 / 107)، وباب هل يغمز الرجل زوجته عند السجود (1 / 138)، ومسلم:كتاب الصلاة، باب الاعتراض بين يدي المصلي (1 / 367)، الحديث رقم (272)..
(2) خُروجُ الدَّم من غَيْر المخرَج المعتَاد؛ سواء كان بجرْح، أو حجَامةٍ، أو رعافٍ، وسواء كان قليلاً، أو كثيراً: قال الحسن _ رضي اللّه عنه _: ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم. رواه البخاري، وقال: وعصر ابن عمر _ رضي اللّه عنهما _ بَثْرة، وخرج منها الدم، فلم يتوضأ، وبصق ابن أبي أوفى دماً، ومضى في صلاته، وصلى عمر بن الخطاب _ رضي اللّه عنه _ وجرحه يثعبُ دماً (1). وقد أصيب عبّاد بن بشر بسهام، وهو يصلي، فاستمر في صلاته (2). رواه أبو داود، وابن خزيمة، والبخاري تعليقاً.
(1) يثعب، أي؛ يجري، وانظر البخاري مع الفتح: كتـاب الوضوء _ باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين (1 / 336)، وقد وصله ابن أبي شيبة، كما في الفتح. أما حديث عمر، فقد رواه مالك، وابن سعد، في "الطبقات"، وغيرهما، وصححه الشيخ الألباني، في: إرواء الغليل (1/225).
(2) حديث عباد بن بشر، رواه أبو داود: كتاب الطهارة _ باب الوضوء من الدم (198)، وابن خريمة (36)، وصححه الشيخ الألباني، في: صحيح أبي داود (193)..
(3) القَـيْءُ: سواء أكان ملء الفم، أو دونه، ولم يرد في نقضه حديث يحتج به.
(4) أَكْـلُ لحـمِ الإبـلِ: وهو رأي الخلفاء الأربعة؛ وكثير من الصحابة والتابعين، إلا أنه صح الحديث بالأمر بالوضوء منه؛ فعن جابر بن سُمرة _ رضي اللّه عنه _ أن رجلاً سأل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: أأتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال: "إن شئتَ توضأ، وإن شئتَ فلا تتوضّأ " (1). قال: أتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال: "نعم، فتوضأ من لحوم الإبل ". قال: أصلي في مرابض الغنم ؟ قال: "نعم". قال: أصلي في مبارك الإبل ؟ قال: "لا". رواه أحمد، ومسلم، وعن البراء بن عازب _ رضي اللّه عنه _ قال: سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل؟ فقال: "توضئوا منها". وسئل عن لحوم الغنم ؟ فقال: "لا تتوضأوا منها". وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل ؟ فقال: "لا تصلوا فيها؛ فإنها من الشياطين". وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم ؟ فقال: "صلوا فيها؛ فإنها بركة"(2). رواه أحمد، وأبو داود، وابن حبان، وقال ابن خزيمة: لم أر خلافاً بين علماء الحديث، في أن هذا الخبر صحيح من جهة النقل؛ لعدالة ناقليه. وقال النووي: هذا المذهب أقوى دليلاً، وإن كان الجمهور على خلافه. انتهى.
(1) مسلم: كتـاب الحيض - بـاب الوضـوء من لحـوم الإبـل (1 / 275)، الحديث رقم (97)، ومسند أحمد (5 / 86، 88، 108) مع اختلاف في الألفاظ.
(2) أبو داود: كتاب الطهارة - باب الوضوء من لحوم الإبل، رقم (184)، ومسند أحمد (4 / 288)، وفي "الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان" "صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في معاطن الإبل؛ فإنها خلقت من الشياطين" (3 / 103)، وابن ماجه: كتاب الطهارة - باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل (494)، والترمذي: أبواب الطهارة _ باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل (81)، وصححه الشيخ الألباني، في: إرواء الغليل (1 / 194)، وصحيح أبي داود (177)..
(5) شَـكُّ المتوضِـئ في الحَـدثِ: إذا شك المتطهر، هل أحدث أم لا ؟ لا يضره الشـك، ولا ينتقض وضوءه؛ سواء كان في الصلاة أو خارجها، حتى يتيقن، أنه أحدث؛ فعن عبّاد بن تميم، عن عمه _ رضي اللّه عنه _ قال: شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيّل إليه، أنه يجد الشيء في الصلاة؟ قـال: " لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً " (1). رواه الجماعة، إلا الترمذي، وعن أبي هريرة _ رضي اللّه عنه _ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قـال: " إذا وجد أحدكم في نفسـه شيئاً، فأشكل عليـه، أخرج منه شيء أم لا ؟ فلا يخرج من المسجد، حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً " (2). رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي.
وليس المراد خصوص سماع الصوت، ووجدان الريح، بل العمدة اليقين، بأنه خرج منه شيء، قال ابنُ المبارك: إذا شك في الحدث، فإنه لا يجب عليه الوضوء، حتى يستيقن استيقاناً، يقدر أن يحلف عليه، أما إذا تيقن الحدث، وشك في الطهارة، فإنه يلزمه الوضوء، بإجماع المسلمين.
(6) القَهْقَهَةُ في الصَّلاةِ لا تنقُضُ الوضُوءَ؛ لعدم صحة ما ورد في ذلك.
(7) تَغْسِيلُ الميِّتِ لا يَجِبُ منه الوضُوءُ؛ لضعْفِ دليل النَّقْض (3).
(1) البخاري: كتاب الوضوء - باب لا يتوضأ من الشك، حتى يستيقن (1 / 46)، ومسلم: كتاب الحيض - باب الدليل على، أن من تيقن الطهارة، ثم شك في الحدث، فله أن يصلي بطهارته تلك (1 / 276)، رقم (98)، وأبو داود: كتاب الطهارة - باب إذا شك فى الحدث (1 / 122)، رقم (176)، والنسائي: كتاب الطهارة - باب الوضوء من الريح (1 / 98)، رقم (160)، والترمذي (75)، وابن ماجه: كتاب الطهارة - باب الوضوء على الطهارة (1 / 171 )، رقم (513).
(2) مسلم: كتاب الحيض - باب الدليل على، أن من تيقن الطهارة، ثم شك في الحدث، فله أن يصلي بطهارته تلك (1 / 276)، رقم (99)، وأبو داود: كتاب الطهارة - باب إذا شك في الحدث (1 / 123)، رقم (177)، والترمذي: أبواب الطهارة، باب في الوضوء من الريح (1 / 109)، رقم (74) وقال حديث حسن صحيح.
(3) كلا، بل ورد الأثر بذلك، عند أبي داود: كتاب الجنائز _ باب في الغسل من غسل الميت (3161)، والترمذي (1 / 185)، وابن ماجه: كتاب الجنائز _ باب ما جاء في غسل الميت (1463)، وصححه الشيخ الألباني، في: إرواء الغليل (1 / 173)، وقال: فلا شك في صحة الحديث عندنا، ولكن الأمر فيه للاستحباب، لا للوجوب؛ لأنه قد صح عن الصحابة، أنهم كانوا إذا غسلوا الميت؛ فمنهم من يغتسل، ومنهم من لا يغتسل.