بسم الله الرحمان الرحيم
تاريخ تدوين علم الحديث وأشهر المؤلفات فيه
كان ظهور التدوين في هذا العلم كفن مستقل في القرن الرابع الهجري على ما نعلم، وإليك أشهر ما ألف فيه:
1/ أول من ألف فيه القاضي " أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن ابن خلاد الرامهرمزي" المتوفى حوالي سنة 360هـ فألف كتاباً سماه " المحدث الفاصل بين الراوي والواعي "، ولكونه أول محاولة لم يجيء كتابه على ما ينبغي . فلم يستوعب كل أنواع هذا العلم ومباحثه. وهذه هي السنة في التأليف . فما من علم مبتدع إلا ويبدأ صغيراً ثم يكبر, وقليلاً ثم يكثر.
2/ ثم جاء بعده الحاكم " أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن البيع النيسابوري" المتوفى سنة 405هــ فألف كتابه " علوم الحديث "، ولكنه لم يهذب الفن كما ينبغي، ولم يرتبه الترتيب المنشود .
3/ ثم تلاه الحافظ " أبو نعيم الأصفهاني" المتوفى سنة 430 هــ فعمل على كتاب الحاكم مستخرجا، وزاد فيه أشياء على ما في كتابه. لكنه أبقى أشياء لم يذكرها، فتداركها من جاء بعده.
4/ ثم جاء بعد هؤلاء الخطيب " أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي" المتوفى سنة 463هــ فألف في قوانين الرواية كتاباً سماه " الكفاية في قوانين الرواية "، وفي آدابها كتاباً سماه " الجامع لآداب الشيخ والسامع ".
وقل فن من فنون الحديث إلا وقد ألف فيه كتاباً مفرداً. فكان كما قال الحافظ " أبو بكر محمد بن عبد الغني بن نقطة " البغدادي الحنبلي المتوفى سنة 629هــ: " كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه ".
5/ ثم جاء القاضي" عياض بن موسى اليحصبي" المتوفى سنة 544هـ فألف كتاباً سماه " الإلماع في ضبط الرواية وقوانين السماع " .
6/ وألف " أبو حفص عمر بن عبد المجيد الميَانِجي " المتوفى سنة 580هــ رسالة مختصرة سماها " مالا يسع المحدث جهله " .
7/ ثم جاء فارس هذه الحلبة الحافظ الفقيه " تقي الدين أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن المشهور بابن الصلاح الشّهْرَزُوري " نزيل دمشق، المتوفى سنة 643هــ فألف - لما ولي تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية- كتابه المشهور " علوم الحديث " ويعرف بـ " مقدمة ابن الصلاح ".
وقد اعتنى ابن الصلاح بتصانيف الخطيب وغيره ممن سبقه فهذبها وجمعها في كتابه هذا. ولكنه أملاها على طلبته شيئاً فشيئاً، من غير سبق روية، وتفكير، وتأمل في الترتيب والتنسيق.
فلهذا لم يجيء ترتيبه على الوضع المتناسب الدقيق، كما هو الشأن في التآليف المنسقة .
فلم يذكر ما يتعلق بالمتن وحده، وما يتعلق بالسند وحده، وما يشتركان معا فيه، وما يختص بكيفية التحمل والأداء وحده، وما يختص بصفات الرواة وحده، وهكذا.
وقد اعتذر عنه الإمام " السيوطي " في كتابه " التدريب " بأنه جمع متفرقات هذا الفن من كتب مطولة في هذا الحجم اللطيف، ورأى أن تحصيله وإلقاءه إلى طالبيه أهم من تأخير ذلك، إلى أن تحصل العناية التامة بحسن ترتيبه، وإجادة تنسيقه. وقد ذكر في كتابه خمسة وستين نوعاً، وقال : وليس بآخر الممكن في ذلك، فإنه قابل للتنويع إلى ما لا يحصى.
وقد صدق فقد وصل السيوطي بأنواعه في التدريب إلى ثلاثة وتسعين نوعاً. منها ما أدمجه ابن الصلاح في غيره ، كـ " المعنعن والمعلق " . فقد ذكرهما في نوع المعضل .
ومنها ما فاته كـ " القوى ، والجيد ، والمعروف ، والمحفوظ , والثابت , والصالح , وكمن اتفق اسمه واسم شيخه ، ونحوهما .
وقد شرح كتاب ابن الصلاح الحافظ " العراقي ". وهو شرح نفيس قيم، له عليه إيضاحات، وتفسيرات، وتقييدات، وزيادات, وقد سماه "التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من علوم ابن الصلاح ".
وقد اعتنى العلماء بكتاب " ابن الصلاح "، وسار في فلكه جل ما ألف بعده في علوم الحديث. فمنهم من نظمه , ومنهم من اختصره , ومنهم من اقتصر على بعض ما جاء فيه, ومنهم من استدرك عليه بعض ما فاته, ومنهم من انتصر له ونافح عنه .
8/ فمن نظمه الحافظ " أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي " المتوفى سنة 806هــ في كتابه " ألفية الحديث " وشرحها هو بنفسه ، وكذلك شرحها بعده الحافظ " السخاوي" في شرح جيد، وهو أحسن شروحها.
9/ وممن اختصره الإمام الحافظ " أبو زكريا محيي الدين النووي " المتوفى سنة 676هــ في كتاب سماه " الإرشاد "، ثم اختصر المختصر في كتاب سماه "التقريب "
وقد شرحه شرحاً وافياً الإمام " السيوطي" المتوفى سنة 911هــ في كتاب سماه " تدريب الراوي "، ويعتبر شرحاً للتقريب على الخصوص، ثم لكتاب ابن الصلاح وغيره من كتب الفن على العموم. ثم جاء كتاب "التدريب " أوفى ما كتب في علم مصطلح الحديث و أصوله، وعليه المعول لكل من ألف في الفن بعده. وقد أكثر فيه من النقول والنصوص. تاركاً لمن جاء بعده التحقيق والتمحيص. والموازنة والترجيح.
10/ وممن اختصره أيضا الإمام الحافظ الفقيه المفسر المؤرخ " عماد الدين إسماعيل بن كثير الدمشقي " المتوفى سنة 774هـ في كتاب سماه " اختصار علوم الحديث" وله فيه على ابن الصلاح استدراكات مفيدة ، وتعقبات مهمة ، وزيادات وتوضيحات قيمة .
وممن اختصره مع الزيادات قاضي القضاة بمصر" بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة الكناني المتوفى سنة 733هــ وسمى كتابه " المنهل الروي في الحديث النبوي " .
وممن اختصره أيضا مع زيادات وتحقيقات الإمام " أبو حفص سراج الدين عمر بن رسلان بن نصير البلقيني " المتوفى سنة 805 هـ وسمى كتابه : " محاسن الاصطلاح في تضمين كتاب ابن الصلاح " .
11/ ومن المختصرات الجامعة في هذا الفن رسالة موجزة ألفها الإمام الحافظ الفقيه المحقق " أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المصري " المتوفى سنة 852هــ سماها " نخبة الفكر في مصطلحات أهل الأثر "، وشرحها بشرح سماه " نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر "، وشرح الشرح العلامة الشيخ " علي بن سلطان محمد الهروي القاري " الحنفي المتوفى سنة 1014هــ، وقد نهج في النخبة الحافظ ابن حجر نهجاً مبتكرًا .
12/ كتاب " ظفر الأماني شرح مختصر الجرجاني " , مؤلف المتن العلامة " السيد الجرجاني" المتوفى سنة 816هـ ، والشرح للعلامة " محمد عبد الحي اللكنوي " المتوفى سنة 1304هــ .
13/ ومن المنظومات التي ألفت في هذا الفن ألفية الإمام الحافظ " جلال الدين عبد الرحمن بن الكمال الأسيوطي " المتوفى سنة 911هــ سماها " نظم الدرر في علم الأثر "، وشرحها بشرح سماه " قطر الدرر" .
14/ ومن الكتب الجامعة في هذا الفن كتاب " توجيه النظر إلى علوم الأثر " للعلامة الشيخ " طاهر بن صالح الجزائري " الدمشقي المتوفى سنة 1338هـ، ولتأخر مؤلفه فقد جمع فيه خلاصة ما قاله العلماء السابقون في هذا العلم. ولا سيما علماء أصول الحديث ، وأصول الفقه .
15/ كتاب " قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث " ألفه العلامة الشيخ " محمد جمال الدين القاسمي " المتوفى سنة 1332هـ، وهو عبارة عن نقول من كلام العلماء السابقين في هذا العلم، وله فيها فضل الترتيب والتبويب، والجمع والتهذيب، وفي بعض الأحايين يناقش قولاً أو يرجح رأيًا على رأي .
16/ كتاب " الطراز الحديث " العلامة الشيخ" أبي الفضل الجيزاوي "، شيخ الجامع الأزهر سابقاً، وقد جاء على أوجز ما يكون.
17/ كتاب" مفتاح السنة "، أو " تاريخ فنون الحديث " للعلامة الشيخ " محمد عبد العزيز الخولي " وهو كتاب وسط، ونافع، ومفيد، عرض فيه لمنزلة السنة من القرآن، وابتداء التدوين ، وأشهر الكتب المؤلفة في القرون الأولى، ولا سيما القرن الذهبي لتدوين كتب الحديث ودواوينه، وهو القرن الثالث، كما عرض فيه لتواريخ علوم الحديث .
18/ " أحسن الحديث " . للعلامة الشيخ "عبد الرحمن المحلاوي " اختصر فيه البيقونية، وشروحها، وحواشيها .
19/ كتاب " مصطلح الحديث ": للعلامة الشيخ " عبد الغني محمود". اختصر فيه النخبة وشروحها .
20/ كتاب " الأسلوب الحديث في علوم الحديث " للعلامة الشيخ " أمين الشيخ " . اعتمد فيه على كتب السابقين ولا سيما كتاب " ظفر الأماني شرح مختصر الجرجاني "، و" مفتاح السنة " وذكر في آخره جملة عن الأحاديث المشكلة، والإجابة عنها، وعدتها واحد وعشرون حديثاً .
21/ كتاب " ضوء القمر في توضيح نخبة الفكر".
22/ كتاب " الموجز في علوم الحديث "
وكلا الكتابين للعلامة الشيخ " محمد بن علي أحمدين "
23/ كتاب " المنهل الحديث في علوم الحديث " للعلامة الشيخ " محمد بن عبد العظيم الزرقاني .
24/ كتاب " الرفع والتكميل في الجرح والتعديل " للإمام " اللكنوى " , وفيه عرض جيد لأبحاث هذا العلم .
25/ كتاب " الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة " للكنوى " أيضا , وفيه إجابات على أسئلة عشرة تتعلق بعلوم الحديث , منها ما يتعلق بالصحيح والحسن في كتب السنن، والمصنفات، والمستدركات ، ومنها ما يتعلق بدرء التعارض بين أقوال المحدثين.
26/ كتاب " قواعد في علوم الحديث " للعلامة " ظفر أحمد العثماني " وهو كتاب عظيم النفع والإفادة, جميل الترتيب والنظام , فريد المعرفة في كثير من جوانبه وفصوله, تدارك به مؤلفه قسماً كبيراً من المباحث المغفلة في كتب مصطلح الحديث وعلومه, فنظمها خير تنظيم ، وقعدها أحسن تقعيد , تصحبها أدلتها وشواهدها .
27/ كتاب " المنهج الحديث في علوم الحديث " للدكتور الشيخ " محمد محمد السماحي " , قصد فيه إلى إعداد موسوعة جامعة في علوم الحديث.
28/ كتاب " مقاصد الحديث في القديم والحديث " للدكتور الشيخ " مصطفى أمين التازى "، وهو يتألف من جزأين عرض فيهما لمسائل من هذا العلم , وهو في عرضه يتميز بسلاسة العبارة، وجمال الأسلوب، ودقة التحقيق .
29/ كتاب " الوسيط في علوم ومصطلح الحديث " للدكتور الشيخ " محمد محمد أبو شهبة " وهو خلاصات محررة لما يوجد في متفرقات كتب الفن من لدن الرامهرمزى إلى عصرنا هذا . كما يقول الشيخ - رحمه الله-.
30/ كتاب " أصول الحديث : علومه ومصطلحه " للدكتور" محمد عجاج الخطيب " وقد تناول فيه أهم القواعد والأسس التي اتبعت في قبول الحديث ورده, وفي تحمله وأدائه , وما يلحق بهذا من علوم مختلفة تتعلق بأحوال الرواة والمرويات , وما يترتب على ذلك من أحكام بين القبول والرد .
31/ كتاب " علوم الحديث ومصطلحه " للدكتور" صبحي الصالح " , وهو كتاب كما قال صاحبه يجمع طائفة من المباحث العلمية، تنفض غبار السنين عن تراثنا الخالد, وتعرض أنفس روائع الفكر بأسلوب واضح بسيط، أقرب إلى ذوق العصر, ثم هو يجمع في آن واحد بين التأليف والتحقيق ، ويحاول إحكام الربط بين النتاج القديم والمنهج الجديد .
32/ كتاب " منهج النقد في علوم الحديث " للدكتور" نور الدين عتر", وهو يمتاز بمميزات كثيرة , منها حسن التقسيم والتفصيل, ودقة التحرير للأقوال والآراء التي كثرت فيها الخلافات, وعمق الرد على بعض الآراء الاستشراقية التي لم تقم على أساس علمي سليم ..... إلخ .
33/ كتاب " لمحات في أصول الحديث " للدكتور" محمد أديب صالح " , وهو كتاب يمتاز بحسن العرض، وعمق الفكرة، وغزارة الفائدة .
وهناك كتب أخرى للمعاصرين في هذا الفن, وهكذا توالت سلسلة هذا العلم متواترة لحمل الحديث النبوي وتبليغه، علماً، وعملاً، ودراسة، وشرحاً, منذ عهده - صلى الله عليه وسلم- إلى عصرنا الحاضر, ويستطيع أي إنسان في أي وقت أن يجد السبيل إلى معرفة الحديث الصحيح، وتمييزه عن غير الصحيح(1)
______________