...السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
مرحبا بكم مجددا اهل الفصيح
اخواني اخواتي
مرة أخرى نلتقيكم ولكن اليوم مع تساؤل ؟؟!!
كثيرامانطلق في تعليقاتنا وتحليلنا لبعض القصائد الشعرية لفظ "الصورة"!
فما فحوى هذا المصطلح ؟
وماهي أصوله ؟
وماهي مراحل تطوره ؟
ان المتتبع لتاريخ تطور هذا المصطلح يقف امام مفهومان "قديم"يركز على الصورة "البلاغية" من تشبيه ومجاز .
و"حديث"يضم الى الصورة البلاغية نوعين اخرين هما "الصورة الذهنية"و"الصورة باعتبارها "رمزا".
وقد شاركت في تطوير هذا المصطلح منابع متعددة كالفلسفة وعلم الجمال وعلم النفس وعلوم الادب بمختلف صنوفها...حتى اتسع مفهومه الحديث وكثرت تعقيداته...
والصورة بمعناها الفلسفي سقطت الى العرب مع الفلسفة اليونانية وبالذات "الفلسفة الارسطية".حيث دعم الفصل بين "الصورة والهيولى"في هذه الفلسفة فكرة المعتزلة القائلة بالفصل بين "اللفظ والمعنى"في تفسير القران الكريم .
وسرعان ما انتقل هذا الفصل الى ميدان الشعر الذي هو رافد من روافد تفسير القران .
من هنا ذكر العسكري في مصنفه الشهير "الصناعتين""بان الالفاظ اجساد والمعاني ارواح".
وقد اشترط البلاغيون الوضوح والتناسب المنطقي بين عناصر الصورة.من تم كانت الوثبات الخيالية التي تلغي الفواصل والحدود بين الاشياء امرا غير مرغوب فيه.وبالتالي فضل "التشبيه" على "المجاز".
ولكن هذا الخيال استعاد احترامه في رحاب الشعر"الصوفي"الذي ينبع من الذات .
حيث احتل منزلة سامية عند "ابن عربي".
واذا كان المفهوم القديم كما سبق وذكرنا قد قصر الصورة على التشبيه والاستعارة فان المفهوم الجديد يوسع من اطارها الى صورة دالة على خيال خصب.وهنا يمكن ان نستشهد بابيات "الخنساء "الشهيرة:
يذكرني طلوع الشمس صخرا.........واذكره لكل مغيب شمس
ولولا كثرة الباكين حولي............على اخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل اخي ولكن.........اعزي النفس عنه بالتاسي
فالشاعرة لم تلجا الى الوسائل المجازية المالوفة في التصوير...ومع ذلك ابدعت صورة تمور بالحركة .
يتواصل فيها السريان من العالم الخارجي الى داخل النفس المحزونه.
وقد أولى العرب شعراء ًونقاداً اهتماماً كبيرا للصورة الشعرية بما تحمل من جماليات في النص وتوضيح للفكرة وتحليق في عالم الخيال لتقديم المعنى وبثوب جديد ويقال إن أول المعلقات التي علقت على جدار الكعبة هي معلقة امرؤ القيس بن حجر الكندي والذي يعتبر من أفحل شعراء الجاهلية
ومن معلقته سأقتطف شاهدين فقد قال في وصف جواده :
مكرٍ مفرٍ مقبلٍ مدبرٍ معاً كجلمود صخرٍ حطه السيل من عل
بهذا الوصف قدم صورة للحصان تحلق في عالم الخيال حينما أعطى صفات للحصان الهجوم والانسحاب في نفس اللحظة وقد شبهه بصخرة تتدحرج من مكان عال وتتجه باتجاه الأسفل لنتصور معا كيف ستكون حركة هذه الصخرة وحين طال عليه الليل انشد قوله :
فيالك من ليل كان نجومه بكل مغار الفتل شدت بيذبل
وهو يعبر عن طول الليل وذلك بثبات النجوم في مواقعها لأنها مربوطة بالحبال الى جبل يذبل وهو جبل في شبه الجزيرة العربية ...
وقد عبر النابغة الذبياني عن طول الليل بقوله :
تطاول حتى قلت ليس بمنقض ٍ وليس الذي يرعى النجوم بآيب
وقد فضل العرب بيت النابغة لان الصورة لديه تتسم بالحركة فكان النجوم أغنام أو ابل ولها را ع يروح بها عند الصباح ومن أجمل ما وصلنا من الشعر الجاهلي بيتي عنترة العبسي وأكاد اجزم أنهما الأشهر من الشعر الجاهلي حيث يقول مخاطبا عبلة التي قضى عمره وهو يثبت لها صدق حبه :
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم
وتتالت في هذين البيتين مجموعة من الصور الشعرية الجميلة فقد شبه نفسه بالماء والرماح بالإنسان فهي تنهل من دمه وشبه السيوف في لمعانها بأسنان عبلة حين تبتسم
وحقا ًلقد قالت العرب (إن من البيان لسحرا )
أرق التحايا
غاردينيا