أ)
لغة:
كلمة "عقيدة" مأخوذة من العقد والربط والشّدِّ بقوة، ومنه الإحكام والإبرامُ، والتماسك والمراصة، يقال: عقد الحبل يعقده: شدّه، ويقال: عقد العهدَ والبيعَ: شدّه، وعقد الإزارَ: شده بإحكام، والعقدُ: أهلِ ضد الحل(أخلاق أهل السنة والجماعة).
(ب) مفهوم العقيدة اصطلاحًا:
العقيدة تطلق على الإيمان الجازم والحكم القاطع الذي لا يتطرق إليه شكٌّ، وهي ما يؤمن به الإنسانُ ويعقد عليه قلبَه وضميرَه، ويتخذه مذهبًا ودينًا يدين به؛ فإذا كان هذا الإيمان الجازم والحكم القاطع صحيحًا كانت العقيدة صحيحة، كاعتقاد أهل السنة والجماعة، وإن كان باطلاً كانت العقيدةُ باطلة كاعتقاد فرق الضلال(انظر: مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة، للشيخ الدكتور ناصر العقل، ص9-10.)
(ج) مفهوم أهل السنة:
السنة في اللغة: الطريقة والسيرة، حسنة كانت أم قبيحة(لسان العرب، لابن منظور، باب النون فصل السين، 13/225.)
وهي في اصطلاح علماء العقيدة الإسلامية: الهدي الذي كان عليه رسول الله صل وأصحابُه، علمًا واعتقادًا، وقولاً، وعملاً، وهي السنة التي يجب اتباعها، ويّحمد أهلُها، ويُذمُّ من خَالَفها؛ ولهذا قيل: فلان من أهل السنة: أي من أهل الطريقة الصحيحة المستقيمة المحمودة(انظر: مباحث في عقيدة أهل السنة، ص13).
(د) مفهوم الجماعة:
الجماعة في اللغة مأخوذة من مادة جمع وهي تدور حول الجمع والإجماع والاجتماع وهو ضد التفرق، قال ابن فارس رحمه الله: "الجيم والميم والعين أصل واحد يدل على تضام الشيء، يقال: جمعت الشيء جمعًا"( معجم المقاييس في اللغة، لابن فارس، كتاب الجيم، باب ما جاء من كلام العرب في المضاعف والمطابق أوله جيم، ص224.)
والجماعة في اصطلاح علماء العقيدة الإسلامية: هم سلف الأمة من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، الذين اجتمعوا على الحق الصريح(وتطلق الجماعة على من وافق الحق، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك" قال نعيم بن حماد: "يعني إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد، وإن كنت وحدك فإنك أنت الجماعة حينئذ" ذكره الإمام ابن القيم في إغاثة اللهفان 1/70، وعزاه إلى البيهقي.)
من الكتاب والسنة(انظر: شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز، ص68، وشرح العقيدة الواسطية، لابن تيمية، تأليف العلامة محمد خليل هراس، ص61).
(هـ) أسماءُ أهلِ السُّنَّة وصِّفاتُهُم:
1ـ أهل السنة والجماعة: هم من كان على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابُه، وهم المتمسكون بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهم الصحابة، والتابعون، وأئمة الهدى المُتَّبِعون لَهُم، وهم الذين استقاموا على الاتِّباع وابتعدوا عن الابتداع في أي مكان وفي أيِّ زمان، وهم باقون منصورون إلى يوم القيامة(انظر: مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة، للدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل، ص13-14.)
وسمُّوا بذلك لانتسابهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، واجتماعهم على الأخذ بها: ظاهرًا وباطنًا، في القول، والعمل، والاعتقاد(انظر: فتح رب البرية بتلخيص الحموية، للعلامة محمد بن صالح العثيمين، ص10، وشرح العقيدة الواسطية، للعلامة صالح بن فوزان الفوزان، ص10.).
فعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افترقت اليهودُ على إحدى وسبعين فِرقةً فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقتِ النصارى على ثنتين وسبعين فرقة فإحدى وسبعون فرقةً في النار وواحدة في الجنة، والذي نفسُ محمدٍ بيده لَتَفتَرِقَنَّ أمتي على ثلاثٍ وسبعين فرقةً، واحدةٌ في الجنة واثنتان وسبعون في النار"، قيل يا رسول الله، من هم؟ قال: "الجماعة"( أخرجه ابن ماجه بلفظه، في كتاب الفتن، باب افتراق الأمم، 2/321، برقم 3992، وأبو داود، كتاب السنة، باب شرح السنة، 4/197، برقم 4596، وابن أبي عاصم، في كتاب السنة، 1/32، برقم 63، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/364.)
، وفي رواية الترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: قالوا: ومن هي يا رسول الله، قال: "ما أنا عليه وأصحابي"( سنن الترمذي 5/26، برقم 2641).
2ـ الفرقة الناجية: أي الناجية من النار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استثناها عندما ذكر الفرق، وقال: "كلها في النار إلا واحدة"، أي ليست في النار(انظر: من أصول أهل السنة والجماعة، للعلامة صالح بن فوزان الفوزان، ص11.).
3ـ الطائفة المنصورة: فعن معاوية رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزالُ طائفةٌ من أمتي قائمةً بأمر الله لا يضرُّهم من خذلهم أو خالفهُم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس"( متفق عليه: البخاري، كتاب المناقب، بابٌ: حدثنا محمد بن المثنى، 4/225، برقم 3641، ومسلم بلفظه، في كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم" 3/1524ن برقم 1037.)
، وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه نحوه(متفق عليه: البخاري، كتاب المناقب، بابٌ: حدثنا محمد بن المثنى، 4/225، برقم 3640، ومسلم، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم" 2/1523، برقم 1921).
، وعن ثوبان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك"( صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم" 2/1523، برقم 1920.)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه نحوه(صحيح مسلم، في الكتاب والباب السابقين، 2/1523، برقم 1923.).
4ـ المعتصمون المتمسكون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار؛ ولهذا قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أنا عليه وأصحابي"( سنن الترمذي 5/26، برقم 2641.)، أي هم من كان على مثلِ ما أنا عليه وأصحابي.
5ـ القدوة الصالحة الذين يهدون إلى الحق وبه يعملون، قال أيوب السَختيَانِي رحمه الله: "عن من سعادةِ الحَدَث(الحَدَث: الشاب. النهاية في غريب الحديث والأثر، باب الحاء مع الدال، مادة: "حدث"، 1/351.)
والأعجمي أن يوفقهما الله لعالم من أهل السنة"( شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، لللالكائي 1/66، برقم 30.)، وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: "إن لله عبادًا يُحيى بِهمُ العباد والبِلادَ وهم أصحاب السنة ومن كان يعقل ما يَدخُلُ جَوفَه من حله كان من حزب الله"( شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللالكائي 1/72، برقم 51، وحلية الأولياء لأبي نعيم، 8/104)
6ـ أهل السنة خيار الناس ينهون عن البدع وأهلِها، قيل لأبي بكر بن عياش: من السني؟ قال: "الذي إذا ذُكِرَتِ الأهواء لم يتعصب لشيء منها"( شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، للالكائي 1/72، برقم 53).
وذكر ابن تيمية رحمه الله: أن أهل السنة هم خيار الأمة ووسطها الذين على الصراط المستقيم: طريق الحق والاعتدال(انظر: فتاوى ابن تيمية 3/368-369.)
7ـ أهل السنة هم الغرباء إذا فسد الناس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود كما بدأ غريبًا، فطوبى للغرباء"( مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا 1/130، برقم 145)
وفي رواية عن الإمام أحمد رحمه الله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قيل: ومن الغرباء؟ قال: النُّزَّاع(هو الغريب الذي نزع عن أهله وعشيرته: أي بَعُدَ وغاب، والمعنى طوبى للمهاجرين الذين هجروا أوطانهم في الله تعالى. النهاية لابن الأثير 5/41)
من القبائل"( المسند 1/397)، وفي رواية عند الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، فقيل: ومن الغرباء يا رسول الله، قال: "أناس صالحون في أناسِ سوءٍ كثير من يعصهم أكثر ممن يطيعهُم"( المسند 2/177 و222)، وفي رواية من طريق آخر: "الذين يصلحون إذا فسد الناس"( مسند الإمام أحمد 4/173)، فأهل السنة الغرباء بين جموع أصحاب البدع والأهواء والفرق.
8ـ أهل السنة هم الذين يحملون العلم ويَحزنُ الناسُ لِفِراقِهم، أهل السنة هم الذين يحملون العلم وينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين؛ ولهذا قال ابن سيرين رحمه الله: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سمُّوا لنا رجالكم، فيُنظَرُ إلى أهل السنّةِ فيؤخذ حديثُهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم"( مسلم، في المقدمة، باب الإسناد من الدين 1/15)، وأهل السنة هم الذين يحزن الناس لفراقهم؛ ولهذا قال أيوب السَختياني رحمه الله: "إني أُخبَرُ بموت الرجل من أهل السنة فكأني أفقد بعض أعضائي"( شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، للالكائي 1/66، برقم 29، وأبي نعيم في الحلية 3/9)
وقال: "إن الذين يتمنون موتَ أهلِ السُّنّةِ يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله مُتِمّ نوره ولو كره الكافرون"( شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، للالكائي 1/68، برقم 35 ).