مقدمة
البيئة بمفهومها العام هي الوسط أو المجال المكاني الذي يعيش فيه الإنسان يتأثر به ويؤثر فيه. هذا المجال قد يتسع ليشمل منطقة كبيرة جدا وقد تضيق دائرته ليشمل منطقة صغيرة جداٌ لا تتعدى رقعة البيت الذي يسكن فيه . وعليه فإن كلمة بيئة تعني كل العناصر الطبيعية والحياتية التي تتواجد حول وعلى سطح وداخل الكرة الأرضية. فالغلاف الغازي ومكوناته المختلفة، والمصادر الطبيعية، والطاقة ومصادرها، والغلاف المائي وما بداخله، وسطح الأرض وما يعيش عليها من نباتات وحيوانات، والإنسان في تجمعاته المختلفة كل هذه العناصر هي مكونات البيئة. أما علم البيئة فيعرف بأنه العلم الذي يُعنى بدراسة مجموع العلاقات والتفاعلات الموجودة بين جميع عناصر البيئة، أي تلك العلاقة الموجودة بين الإنسان وأخيه الإنسان، وبين غيره من الكائنات الحية الأخرى سواء كانت حيوانية أو نباتية، وتشمل كذلك مجمل العلاقات بين جميع الكائنات الحية نباتية أو حيوانية مع عناصر غير حية كالتربة والماء والهواء والصخور، وكذلك العلاقات بين العناصر غير الحية. العلاقة بين مكونات البيئة هناك علاقة وثيقة بين العناصر الطبيعية والحياتية الموجودة حول وداخل سطح الكرة الأرضية ومكوناتها المختلفة، تبرز من خلال علاقات وإرتباطات وظيفية معقدة ترتبط جميعها بما يسمى بالنظام البيئي. فالنظام البيئي يعرف على أنه التفاعل المنظم والمستمر بين عناصر البيئة الحية وغير الحية، وما يولده هذا التفاعل من توازن بين عناصر البيئة. أما التوازن البيئي فمعناه قدرة البيئة الطبيعية على إعالة الحياة على سطح الأرض دون مشكلات أو مخاطر تمس الحياة البشرية . ولعل التوازن البيئي على سطح الكرة الأرضية ما هو إلا جزء من التوازن الدقيق في نظام الكون، وهذا يعني أن عناصر أو معطيات البيئة تحافظ على وجودها ونسبها المحددة كما أوجدها الله. ولكن الإنسان بلغ في تأثيره على بيئته مراحل تنذر بالخطر، إذ تجاوز في بعض الأحوال قدرة النظم البيئية الطبيعية على إحتمال هذه التغيرات، وإحداث إختلالات بيئية تكاد تهدد حياة الإنسان وبقائه على سطح الأرض. ولكن وقبل الخوض في هذه الاختلالات فلا بد من التحدث عن مكونات النظام البيئي.
مكونات النظام البيئي يتكون النظام البيئي من العناصر التالية: 1. العناصر غير الحية كالماء والهواء والتربة والمعادن. 2. العناصر الحية المنتجة كالكائنات الحية النباتية والتي تصنع غذائها بنفسها من عناصر غير حية. 3. العناصر الحية المستهلكة كالحيوانات العشبية واللاحمة والإنسان. 4. المحللات (Decomposers) وهي التي تقوم بتحليل المواد العضوية الى مواد يسهل امتصاصها وتتضمن البكتيريا والفطريات. أما مكونات الغلاف الحيوي للبيئة فتقسم الى قسمين: 1- العناصر غير الحية للبيئة: وهي مكونة من ثلاثة أغلفة: أ ) الغلاف المائي: حيث تشكل المياه النسبة العظمى من هذا الغلاف، والتي توجد في المحيطات والبحار والبحيرات والأنهار والمياه الجوفية وعلى شكل جليد وتقدر بحوالي 1.5 بليون كم3 يشكل الماء المالح 95-97% منها، في حين أن الماء العذب يشكل 3-5% فقط. ومع أن كمية المياه العذبة الموجودة محدودة فإن هناك تزايد مستمر في استهلاك المياه نتيجة للزيادة في عدد السكان والزيادة في الاستهلاك الزراعي والصناعي. ب) الغلاف الجوي: ويشمل الغازات والأبخرة، ومن أهم الغازات الأكسجين، والنيتروجين، وثاني أكسيد الكربون. ج) اليابسة: حيث تمثل الأجزاء الصلبة والتربة جزء من هذا الغلاف كذلك تشمل المعادن. 2 – المكونات الحية للغلاف الحيوي للبيئة وهي تشمل جميع الكائنات الحية التي تشترك في بعض الجوانب كالإحساس والحركة والنمو والتنفس. ومن هذه المكونات الإنسان والكائنات الحية الأولية كالطحالب والبكتيريا والفطريات ثم النباتات والحيوانات بأنواعها المختلفة.
إختلال التوازن البيئي إن التفاعل بين مكونات البيئة عملية مستمرة تؤدي في النهاية الى إحتفاظ البيئة بتوازنها ما لم ينشأ إختلال نتيجة لتغير بعض الظروف الطبيعية كالحرارة والأمطار أو نتيجة لتغير الظروف الحيوية أو نتيجة لتدخل الإنسان المباشر في تغير ظروف البيئة. فالتغير في الظروف الطبيعية يؤدي الى إختفاء بعض الكائنات الحية وظهور كائنات أخرى، مما يؤدي الى إختلال في التوازن والذي يأخذ فترة زمنية قد تطول أو تقصر حتى يحدث توازن جديد. وأكبر دليل على ذلك هو إختفاء الزواحف الضخمة نتيجة لإختلاف الظروف الطبيعية للبيئة في العصور الوسطى مما أدى الى انقراضها فاختلت البيئة ثم عادت الى حالة التوازن في إطار الظروف الجديدة بعد ذلك. كذلك فإن محاولات نقل كائنات حية من مكان الى آخر والقضاء على بعض الأحياء يؤدي الى إختلال في التوازن البيئي. غير أن تدخل الإنسان المباشر في البيئة يعتبر السبب الرئيسي في إختلال التوازن البيئي، فتغير المعالم الطبيعية من تجفيف للبحيرات، وبناء السدود، وإقتلاع الغابات، وردم المستنقعات، واستخراج المعادن ومصادر الاحتراق، وفضلات الإنسان السائلة والصلبة والغازية، هذا بالإضافة الى إستخدام المبيدات والأسمدة كلها تؤدي الى إخلال بالتوازن البيئي، حيث أن هناك الكثير من الأوساط البيئية تهددها أخطار جسيمة تنذر بتدمير الحياة بأشكالها المختلفة على سطح الأرض، فالغلاف الغازي لا سيما في المدن والمناطق الصناعية تتعرض الى تلوث شديد، ونسمع بين فترة وأخرى عن تكون السحب السوداء والصفراء السامة والتي كانت السبب الرئيسي في موت العديد من الكائنات الحية وخصوصا الإنسان. أضف الى ذلك ما يتعرض إليه الغلاف المائي من تلوث من خلال استنزاف الثروات المعدنية والغذائية هذا بالإضافة الى إلقاء الفضلات الصناعية والمياه العادمة ودفن النفايات الخطرة. أما اليابسة فحدث ولا حرج، فإلقاء النفايات والمياه العادمة وإقتلاع الغابات وتدمير الجبال وفتح الشوارع وازدياد أعداد وسائط النقل وغيرها الكثير أدى الى تدهور في خصوبة التربة وإنتشار الأمراض والأوبئة خصوصا المزمنة والتي تحدث بعد فترة زمنية من التعرض لها. وبالرغم من تقدم الإنسان العلمي والتكنولوجي والذي كان من المفروض أن يستفيد منه لتحسين نوعية حياته والمحافظة على بيئته الطبيعية، فإنه أصبح ضحية لهذا التقدم التكنولوجي الذي أضر بالبيئة الطبيعية وجعلها في كثير من الأحيان غير ملائمة لحياته وذلك بسبب تجاهله للقوانين الطبيعية المنظمة للحياة. وعليه فإن المحافظة على البيئة وسلامة النظم البيئية وتوازنها أصبح اليوم يشكل الشغل الشاغل للإنسان المعاصر من أجل المحافظة على سلامة الجنس البشري من الفناء. الموارد البيئية تعرف الموارد على أنها الأشياء التي يسعى الإنسان للحصول عليها من أجل إشباع رغباته وهي أشياء مفيدة وأهم ما تتصف به هو احتوائها على عنصر المنفعة، فالماء والهواء وضوء الشمس والأرض والغابات والآلات كلها أشياء ذات فوائد عديدة ومن ثم فهي تعتبر موارد اقتصادية. والإنسان في حد ذاته يمكن أن يكون موردا أو عائقا، فالتعليم والتدريب وتحسن المستوى الصحي والوعي البيئي والوضع الأنسب للسكن والفضائل الاجتماعية هي عبارة عن موارد ذات فائدة اقتصادية. بينما يعتبر الجهل والجشع وقلة عدد السكان أو زيادتهم، والصراع الطبقي والحروب هي تحديات ليست في مصلحة الإنسان ومنفعته. أما الموارد البيئية فهي تمثل المخزون الطبيعي الذي يقدم فوائد جمة للبشرية جمعاء ممثلة فيما وهبه الله لنا من هواء وشمس وصخور وتربة ونباتات طبيعية وحيوانات برية، أو بمعنى آخر كل من الغلاف الصخري، والغلاف المائي والغلاف الهوائي. أما من حيث درجة استنزافها فهي تقسم الى ثلاثة أقسام: 1. موارد دائمة: وهي التي لا يخشى عليها من خطر النفاذ وهي في عطاء مستمر ودائم كالشمس والهواء والماء. 2. موارد متجددة: وهي التي تتجدد باستمرار من تلقاء نفسها وفي عطاء مستمر ولا يخشى عليها من النفاذ، إلا أنه يجب المحافظة عليها كالنباتات الطبيعية والحيوانات البرية والتربة. 3. موارد غير متجددة: وهي ذات المخزون المحدود والتي تتعرض للنفاذ لأن ما يستغل ويستهلك منها لا يمكن تعويضه كالمعادن المختلفة ومصادر الطاقة كالفحم والبترول والغاز الطبيعي. التوازن في الطبيعة تخضع الطبيعة لقوانين وعلاقات معقدة تؤدي في نهايتها الى وجود إتزان بين جميع العناصر البيئية حيث تترابط هذه العناصر بعضها ببعض في تناسق دقيق يتيح لها أداء دورها بشكل وبصورة متكاملة. فالتوازن معناه قدرة الطبيعة على إعالة الحياة على سطح الأرض دون مشكلات أو مخاطر تمس الحياة البشرية [1]. فالمواد التي تتكون منها النباتات،يتم امتصاصها من التربة، ليأكلها الحيوان الذي يعيش عليه الإنسان. وعندما تموت هذه الكائنات تتحلل وتعود الى التربة مرة أخرى. فالعلاقة متكاملة بين جميع العناصر البيئية. فأشعة الشمس والنبات والحيوان والإنسان وبعض مكونات الغلاف الغازي في إتزان مستمر. ومن هنا لا بد من الحديث عن بعض الدورات لبعض المواد حيث تدخل وتسري في المكونات الحياتية والطبيعية ثم ما تلبث أن تعود الى شكلها الأصلي. فالكربون والنيتروجين والفسفور والكبريت والحديد وغيرها من المواد والمعادن تسير في دورات مغلقة، وما يحدث هو أنها تتحول من شكل الى آخر حيث أن المادة لا تفنى ولا تستحدث وإنما تتحول من شكل الى آخر في سلسلة طويلة تغذي بها الحياة على سطح الأرض. ومن الأمثلة على ذلك دورات الماء والكربون والنيتروجين والفسفور، والتي سوف يتم الحديث عنها بمزيد من التفصيل. دورة الكربون يشكل غاز ثاني أكسيد الكربون حوالي 0.03% من الغلاف الجوي، وبزيادة كميته عن هذه النسبة تحدث المشاكل البيئية والصحية. وهذا الغاز يسير بدوره مغلقة، يستهلك في خلالها من عدد من الكائنات وفي بعض التفاعلات، ثم ما يلبث أن يعود الى الغلاف الجوي. فاحتراق الوقود والغابات، وعملية التنفس عند الإنسان من شهيق وزفير، وحرق البترول والفحم، وتحلل المواد العضوية كلها تطلق غاز ثاني أكسيد الكربون. الذي ما يلبث أن يعود من خلال الأمطار الحمضية أو بامتصاصه من قبل المسطحات المائية. حيث يتحد مع بخار الماء فيكون دقائق الجير التي تترسب في أعماق البحار والمحيطات. أما النباتات المائية والأرضية، فهي تعتبر عنصر أساسي ورئيسي في دورة الكربون. حيث تقوم هذه النباتات بامتصاص ثاني أكسيد الكربون من خلال عملية التمثيل الضوئي لبناء سلاسل الكربون والكاربوهيدرات التي تنقل الى الحيوانات المستهلكة ثم الإنسان بطريق مباشر أو غير مباشر. عدى عن تلك الكميات التي تستخدم كمصدر للطاقة والتي تعيد الكربون الى الجو والتربة أما بالتنفس عند الإنسان والحيوان، أو نتيجة الاحتراق أو نتيجة لتحلل هذه المواد عند الموت، أو إلقاء فضلاتها، حيث تعمل المحللات في الطبيعة على إعادتها الى عناصرها الأولية، أو تعود الى الغلاف الغازي وهكذا تستمر الدورة .
كذلك فإن نسبة كبيرة من الكربون تتحول الى مواد مختزنة كالفحم والبترول، الذي يبقى مختزن في جوف الأرض، ثم ما يلبث أن يعود للاستخدام بعد أن يخرجه الإنسان. هذا بالإضافة الى كمية الكربون التي تختزن على صورة أحجار كلسيه.
دورة الماء يعتبر الماء عنصر هام للحياة على سطح الأرض، فالنبات والحيوان والإنسان يعتمدون عليه اعتمادا كبيرا للاستمرار في الحياة. والماء أما أن يكون على صورة بخار في الهواء أو ماء سائل في الأنهار والبحيرات والبحار والمحيطات أو متجمد على هيئة جليد في القطبين. وتقدر كمية الماء الموجودة في المحيطات بحوالي 97% من كمية الماء على سطح الأرض ويتبخر منها حوالي 875 كم3 يوميا ويعود 775 كم3 على هيئة أمطار أما الباقي فيبقى على صورة بخار متطاير في الهواء، هذه بالإضافة الى 160 كم3 من الماء تتبخر يوميا من اليابسة نفسها والتي تستقبل كم3 على هيئة أمطار. وتتوزع هذه الكمية على اليابسة والأنهار والبحار والمحيطات، وتكون المياه الجوفية. تستهلك النباتات والحيوانات والإنسان الماء الذي ما يلبث أن يعود أما على هيئة بخار كما هو الحال في عملية النتح والعرق والزفير وأبخرة المصانع، أو سائل كما في المياه العادمة المنزلية والصناعية. وتعتمد كل هذه العمليات اعتمادا مباشرا على عناصر الطقس المختلفة من حرارة وضغط جوي ورياح وعمليات جريان الماء وتسربها الى التربة، أو وصولها الى الأنهار والبحار. وتجدر الإشارة هنا الى أن المياه العذبة لا تزيد نسبتها على سطح الأرض عن 3% فقط من مجمل كمية الماء الموجودة وأن 98% من هذه المياه العذبة موجودة على صورة جليد في القطبين. هذا وسيتم الحديث عن هذا الموضوع بمزيد من التفصيل في فصول لاحقة. وبعبارة بسيطة يمكن وصف دورة المياه بالمعادلة التالية : تبخر + نتح = تكاثف دورة النيتروجين يشكل النيتروجين ما مجموعه 79% من حجم الغلاف الغازي، ويدخل في تكوين الكثير من المواد، ويعتبر أساسي في تكوين الحياة على سطح الأرض. والنيتروجين لا يستخدم بصورة مباشرة من الغلاف الجوي كونه عنصرا خاملا، وإنما يجب أن يتم تحويله الى مركبات تستطيع بعدها النباتات والإنسان من استخدامه. وهذه التحولات إما أن تكون ناتجة عن البرق أو النشاطات البركانية أو عن البكتيريا الموجودة في التربة والتي تقوم بتحويل النيتروجين الى نيترات ومن ثم تتحول الى أحماض أمينية وبروتينات . هذا وتعتبر فضلات الكائنات الحية وتحللها مصدرا مهما للنيتروجين، حيث تقوم البكتيريا بتحويلها الى نيتريت NO2 ثم الى نيترات NO3 ، وبعد ذلك إما يتم امتصاصها عن طريق الجذور أو تتحول الى غاز النيتروجين N2 الذي يعود الى الجو. دورة الفسفور يعتبر الفسفور واحد من العناصر المهمة في العمليات الحيوية في الكائنات الحية. فهو عنصر مهم في تركيب ATP و ADP بالإضافة الى كونه يدخل في تركيب العظام والأسنان. وهو يوجد في الطبيعة على شكل فوسفات، وتلعب العوامل الجوية كالأمطار والرياح دورا مهما في إيصاله للأنهار والبحار، حيث تمتصه النباتات البحرية ومن ثم يصل الى الطيور التي تعتاش على هذه النباتات . ويوجد الفسفور بكمية كبيرة في فضلات الإنسان والحيوانات والتي تستخدم فيما بعد كسماد للمزروعات. وحديثا ونتيجة لتقدم التكنولوجي أصبح الفسفور يدخل في تركيب مساحيق الغسيل مما أدى الى إرتفاع نسبته في المياه العادمة وبالتالي الى حدوث تلوث في الأنهار والبحار والمياه الجوفية مما دفع العلماء الى البحث عن طرق لإزالة مركبات الفسفور من المياه العادمة. أما عن الكميات التي تصل الى البحار والمحيطات فهي في العادة تترسب في قاع البحر لتشكل مصدرا مختزنا من مصادر الفسفور. ويدخل الفسفور أيضا في تركيب الأسمدة وبهذه الطريقة، بالإضافة الى تحلل النباتات والحيوانات الميتة، يتم إيصاله للتربة ومن ثم الى النباتات.